صباحات غائمة

صباحات غائمة

عبد الخالق علي خضور
أزهر العمر في أحنائه.. وأورقت أشجار عريه الكامن خلف حقيقة المطلق.. تستر برداء من أحلامه وآماله.. حطب ماشاء من أحزانه في الصيف القاتل والقاتم لتكون حطبا لمواقد شتائه الساكن الهادئ.. كان يأمل ذلك ويرجوه في كل لحظة من عمره...!!
شاءت الأقدار فاستكان.. خضع لرغبة جامحة وماعرف الخضوع كان يريد ويرى حياته سيلا جارفا يحفر الأخاديد في بطن الأرض إلا أنها حفرت الأخاديد في وجهه..!! أدرك في كل لحظة من حياته أنه خلق ليعذب استعذب دنياه فغرته لحظة وتركته يجمع شمل أحلامه وآماله ذلك أن العمر القادم صبغة أرادها فخذلته مياه الشتاء وأذابت ما تبقى من صبغة صفائه ونقائه ليستسلم للأمر الواقع رغم أن واقعه كان كحبات البرد القادمة فيها من الخير مافيها إلا أنها تزعج النائم في منتصف الليل..!! ‏
لقد جئنا بأحلامنا الى مستنقع الحياة وهدرناها هباء منثورا دون أن ندري لماذا؟؟ كان الزمن المر يضايقنا بالأوهام ويسرق منا لحظات العمر الحالمة يسرق منا لحظة العشق، فالعشق هو الزهرة البرية التي تنمو كما تريد وأينما تريد.. العشق هو بقايا الزهرة البرية المنثورة في بركة الماء.. هو الأمل الذي نعيش من أجله ونركض خلفه ونحصل عليه في المكان الخاطئ والزمان الخاطئ..!! ‏
كان يفكر بالحب ويقرأ كل سطور العشق من دفاتر العشاق ويخطها ويخطط لها كما خطها السابقون قبله، لقد صنع لنفسه جرة فخار من طين بلاده جبلها بعرقه وشواها بآلامه وأحلامه ليشرب منها حين يعطش في درب حياته فلقد فكر أن لحظة الجفاف الوحيدة في الحياة حين يكون ا لمرء بلا عواطف أو مشاعر.. سخّر أمنياته كلها لتلك اللحظة المجهولة لكن الجرة بقيت فارغة...!! ‏
كان عليه أن يحاسب نفسه على أحزانه وأوهامه.. كان يدرك كيف يكون طريق الحب لكنه لم يعبد ذلك الطريق ولم يعرف كيف يعبده ليته كان يحب كل الأشياء ويتخلى عن حبها فهي لم تزده إلا حباً لها، وللأشياء إنها السوسنة البرية في حقول لم تطأها قدم انسان ولم تمسها يد انسان.. إنها عزم العطالة في نواس يهتز ويدور.. كان قلبي يهتز معها ولها روحي تعشق ابتسامتها الحزينة ونظارتها الجديدة..!! ‏
ياحبي الأبدي الضائع كنا نغوص في أعماق كل شيء وننسى أعماقنا.. كنا نحاور كل المقربين منا وننسى أن نحاور قلبينا كنا نحوم حول الأسئلة والمعاني وننسى أن نحوم حول تلاقي روحينا.. كنا نملأ جعبتنا بالإشارات ونشير الى أعماقنا اشارة حمراء..كنا نتحاور بالفقه والشرع ولم نكن قادرين على صياغة فتوى تجمع قلبينا.. كنا كالعصافير ترقص مع خيوط الشمس الأولى تنتظر الأمل القادم الا أن صباحاتنا كانت غائمة كلها...!! كنا نحب بعضنا حبا صامتا فأدمنا الصمت زمنا وتكلمنا في الزمان والمكان الخاطئين فكان بوحنا دمعا..وكلامنا آها واعترافنا خطيئة بحق ذواتنا...!! ‏
كنا نرى مايجري وما يدور حولنا ومعنا، وكنا ندرك مع كل ذلك أن شيئاً كان يسير مشيئتنا ويحكمها..انه القدر والقدر شاء كل ذلك..